أحمد عبد الكريم
صارت مسابقات الشعر التي تتنافس الفضائيات العربية في تنظيمها تحت أسماء كبيرة، مثل شاعر العرب كما هو الشأن بالنسبة لقناة المستقلة، و أمير الشعراء بالنسبة لقناة أبو ظبي، و شاعر المليون في قنوات الخليج التي تهتم بالشعر النبطي ظاهرة تستدعي التساؤل عن تأثيراتها المحتملة علي المنظومة الثقافية بشكل عام، وعن رؤيتنا وتذوقنا للشعر بشكل خاص. وما هي الجوانب الإيجابية والسلبية المترتبة عن الظاهرة بهذا الشكل؟
مشروعية تساؤلي تتأتي من قلقي علي تغييب الشعر الحقيقي المؤسس علي تراكم طويل لحساب شعر منبت عن كل تراث ومرجعية، ولحساب شعراء ينبتون كالفطر ويندفعون إلي شاشات الفضائيات ليصبحوا نجوما بين عشية أو ضحاها، في حين يقبع الشعراء الحقيقيون في زواياهم المظلمة بعيدا عن الأضواء والصخب الإعلامي محرومين حتي من حقهم في الإعلام، وبالمقابل، تؤكد الملاحظة علي أنه يتم في هذه المسابقات تكريس الشعر العمودي كشكل شعري أوحد لا يرقي إليه أي شكل آخر، مما يسهم في توالد قصائد منوالية نمطية أشبه ما يكون بالقوالب الجاهزة سلفا..
لم يحدث في تاريخ الشعر العربي أن تم تنصيب شاعر للعرب أو أمير للشعر ، وظل الشعراء أمراء الكلام يتفاضلون بالشاعرية والإجادة وحدها، فيقال الشاعر الفلاني أشعر من علان، وذلك ما يحدث في سوق عكاظ في الزمن القديم، حين كان الشعراء يحتكمون إلي النابغة الذبياني، وهو في خيمته الحمراء..
المرة الوحيدة التي حدث فيها ذلك هي تلك التي تمت فيها مبايعة أحمد شوقي أميرا للشعراء، بحضور كثير من الشعراء الذين كانوا يملأون الدنيا بحضورهم الشعري الحق. وفيها أنشد حافظ إبراهيم:
أمير القوافي قد أتيت مبايعا وهذي وفود الشرق قد بايعت معي .
لم يحدث أن اهتم الإعلام بالشعر علي هذا النحو الذي نلاحظه الآن، فهل يعود الأمر إلي القيمة الرمزية التي يتمتع بها الشعر في وجدان العربي وذاكرته؟ أم أن هناك أسبابا أخري مثل أن الشعر في عصر الثقافة الجماهيرية والإعلام الجماهيري يمكن أن يتحول إلي سلعة قابلة للاستهلاك والابتذال؟ أم أنه محاولة لتثقيف الذوق العام والسمو بالبرامج إلي مستوي أعلي لمنافسة برامج ستار أكاديمي التي حققت انتشاراً واسعا؟
الملاحظة الأولي للطريقة التي تقدم بها بالاعتماد علي التفاعلية وإشراك الجمهور الواسع تؤكد هذا المسعي.
هذا يقودني إلي إبداء بعض الملاحظات حول مسابقة أمير الشعراء، بالنظر إلي أنني أعيرها اهتماما خاصا، ولأنني مشغول فعلا بما يمكن أن تفضي إليه علي هذا الصعيد أو ذاك.
الأمر الأول هو مراوغة العنوان الذي قد يلغي منجزات شعرية كبيرة، خاصة لدي الجمهور الواسع الغير مطلع علي خارطة الشعر العربي، مما سيؤدي حتما إلي خلخلة ما هو متعارف عليه بالنظر إلي شعبية هذه المسابقة وجمهورها العريض.
إ ن كلمة أمير تنتمي إلي حفل سياسي يحيل علي أنظمة الحكم الملكية السائدة خاصة في دول الخليج، وسياقيا تنتمي إلي أفق ثقافي تقليدي ما يفسر المضامين التقليدية التي لا تخرج قضايا الأمة وطغيانها علي مجريات المسابقة، مثل فلسطين والعراق.. ومن هنا فرض الشكل العمودي نفسه علي طبيعة المتنافسين، أي أن هناك إملاءات فرضتها طبيعة المنافسة علي لقب أمير الشعراء.
حدت كثيرا من أفق المغامرة باتجاه منجزات الحداثة. وقد وجدت النصوص التي حاولت ذلك نفسها خارج دائرة المنافسة.ووجدت نفسها محكومة بتجارب درويش ونزار قباني اللذين تكرر اسماهما كثيرا كمرجعيات شعرية مؤثرة.
لم تخل بعض من المجاملة والتعاطف المبني علي خلفيات مختلفة، وكمثال علي ذلك مشاركة الشاعرات اللائي كان التعاطف معهن مفضوحا لأن مشاركتهن لم تكن بمستوي التنويه والإشادة الذي قوبلن به.وهنا يمكنني أن أسوق حكاية النابغة مع الخنساء والأعشي في الحكاية المشهورة. ويذكر التاريخ أن الخنساء حين أنشدته قال لها لولا أن الأعشي أنشدني قبلك لقلت إنك أشعر العرب. وفي هذه الحكاية ما ينم عن نظرته الموضوعية وعدم استناده إلي التفريق بين المرأة والرجل، وعدم اعترافه بالتقسيم الذي يلجأ إليه الآن، أو ما يسمي بأدب المرأة أو الكتابة النسوية، الذي عادة ما ينظر إليه بنوع من المجاملة والتعاطف النقدي المخل. وقد انتصر النابغة للأعشي الأعمي، ولم يحكم لأنثي كالخنساء.
بعض آراء لجنة التحكيم في مسابقة أمير الشعراء لم ترق لبعض الشعراء المشاركين. مما حدا ببعضهم إلي إبداء استيائهم وتذمرهم بعد إقصائهم، بل واتهام بعض أعضاء لجنة التحكيم بالتحيز. وذكرهم علي الهواء مباشرة..
تجارب المسابقات الشعرية أحدثت نقلة نوعية انتقلت بالشعر من إطار النص المكتوب إلي حقل الوسائط السمعية البصرية الجديدة، مما يجعل الشعر كنص مقروء في حكم الماضي.
وهو ما يؤشر إلي عودة الشفاهية والإنشاد كما كان سائدا في زمن الأسواق والمنتديات الشعرية. في ثوب جديد يتزيا بما أفرزته التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة.
التجربة من الناحية التقنية قد تكون تطورا طبيعيا يضع حدا للتعاطي التقليدي مع الشعر، ولكنها من ناحية أخري ستكون ذات تأثير سلبي إذا لم تتم دراسة محتوياتها والتمحيص في تقديم التجارب الشعرية الحقيقية الوفية لعصرها ولراهنها. ووفق معايير فنية وجمالية، غير تلك الرداءات التي تفرض نفسها بقوة الإشهار الإعلامي.
وفي جميع الأحوال سيكون شاعر العرب و أمير الشعراء شاعرا عموديا سيعزف علي وتر فلسطين أو العراق بشكل فج..وستبايعه العشائرية والقطرية بالتصويت أو بالرسائل القصيرة.والأكيد أنه سينال مكافأة لم ينلها المتنبي المتهم بالتكسب بشعره.
أما نحن فسنبقي في حيرة من أمرنا بين أن نبايع شاعر العرب جميعا أم أمير الشعراء جميعا.؟
شاعر العرب أم أمير الشعراء : من سنبايع في النهاية ؟
كاتب وشاعر من الجزائر